نشر باحثون من مركز التصميم السلوكي المؤسساتي في جامعة نيويورك أبوظبي ورقة بحثية في مجلة "ناتشر كوميونيكيشنز" بعنوان "تأثير الحالة الاجتماعية والاقتصادية على السلوك الاجتماعي الإيجابي"، حيث قاموا بتطبيق تجربة ميدانية للتأكد إن كان الأفراد من الطبقة الاجتماعية والاقتصادية العليا أقل عرضة للقيام بسلوك اجتماعي إيجابي يهدف إلى مساعدة الآخرين.
وفي هذا الصدد، قال نيكوس نيكيفوراكيس، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك أبوظبي والمدير المشارك لمركز التصميم السلوكي المؤسساتي: "هناك اعتقاد شائع في العديد من البلدان حول العالم بأن الأشخاص الأثرياء ذو المكانة الاجتماعية والاقتصادية العالية، هم أكثر أنانية من غيرهم. ولكن، هناك أسباب تدفعنا للشك في صحة هذا الرأي".
"لا شك في أن الظروف والدوافع للتصرف الاجتماعي الإيجابي تختلف عبر طبقات المجتمع. فعلى سبيل المثال، يجد الأغنياء أنه من الأسهل دفع غرامة لانتهاك قانون المرور أو التهرب الضريبي. ولا يمكن مقارنة الدلائل على السلوك الاجتماعي الإيجابي أو السلبي بسهولة عبر المجموعات الاجتماعية والاقتصادية، ولا يمكننا استبعاد احتمال أنه إذا أصبح شخص فقير ثريًا فجأة، فإنه لن يتصرف بنفس الطريقة التي يتصرف بها الأغنياء".
ولاستكشاف ما إذا كان الأفراد من الطبقة الاجتماعية والاقتصادية العليا يتصرفون بشكل أناني أكثر من غيرهم، قام الباحثون بتسليم مغلفات بريد ذات عناوين خاطئة بشكل متعمد إلى بعض أغنى وأفقر الأسر في إحدى مدن هولندا. وكان الهدف من هذه التجربة هو تحديد الأسر التي أعادت المغلفات إلى أصحابها، حيث اعتبر الباحثون فعل إعادة المغلف سلوكًا اجتماعيًا إيجابيًا لأنه يتطلب جهدًا، ولكنه لا يقدم أي فائدة شخصية لفاعله. وكانت تكلفة هذا الفعل الاجتماعي الإيجابي هي ذاتها بالنسبة للجميع، وسمح هذا النهج للباحثين قياس الانتماء الاجتماعي لمستلمي المغلفات دون تحيز، لأنهم لم يكونوا على علم بأن أفعالهم تخضع للمراقبة.
وأظهرت النتائج تناقضاً مع الرأي السائد، حيث وجدت التجربة أن الأفراد من الطبقة الاجتماعية والاقتصادية العليا كانوا أكثر عرضة لإعادة المغلفات إلى العناوين الصحيحة. وقد كشفت البيانات التي تم تحصيلها أيضًا عن نمط مثير للاهتمام، وهو أنه مباشرة بعد يوم الحصول على الراتب، كانت نسبة الفقراء الذين أعادوا المغلفات التي تم تسليمها بشكل خاطئ تتساوى مع نسبة الأغنياء الذين قاموا بهذا الفعل الإيجابي. الأمر الذي يشير إلى أن الضغوط المالية التي يتعرض لها الأفراد من الطبقة الاجتماعية والاقتصادية الفقيرة، تؤثر على رغبتهم أو قدرتهم على التصرف بشكل إيجابي.
وأضاف نيكوس نيكيفوراكيس: "لم تقم تجربتنا بدحض وجهة النظر النمطية عن الأثرياء فحسب، بل أظهرت أن للفقر تأثير سلبي على السلوك الاجتماعي الإيجابي، الأمر الذي يؤكد أنه من خلال الحد من الفقر، قد نجعل المجتمع أقل أنانية بشكل أو بآخر".
وقد نفذ هذا البحث بالتعاون مع المؤلفين جيمس أندريوني من جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، ويان ستوب من كلية إيراسموس للاقتصاد بجامعة إيراسموس.
وتأتي هذه التجربة في إطار عمل نيكيفوراكيس مع مركز التصميم السلوكي المؤسساتي، وهو المؤسسة الأولى من نوعها في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تطبق أحدث الرؤى العلمية من أبحاث العلوم الاجتماعية السلوكية لتعزيز عملية وضع السياسات العامة.