أثبت باحثون في جامعة نيويورك أبوظبي، باستخدام أجهزة تسجيل بيانات درجة الحرارة، أن الشّعاب المرجانية في الخليج العربي تصبح أكثر عرضة للابيضاض حين لا تكون الرياح الصيفية الخفيفة كافية لتبريد سطح المياه، وذلك حسب بحث تم نشره في مجلة ’فرونتيرز إن مارين ساينس‘.
وتُعدّ الشعاب المرجانية في مياه الخليج العربي الأكثر تحملاً للحرارة في العالم، غير أنها ليست منيعة أمام حالات الارتفاع الشديد في الحرارة المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري والتي تلحق الضرر بالشعاب المرجانية في أماكن أخرى من العالم.
وبغياب هذا النوع من الرياح، المعروفة بـ"رياح الشمال"، يمكن لمياه الخليج الضحلة أن تصل إلى درجات حرارة تُعتبر قاتلة للشعاب المرجانية على امتداد فترات الصيف، وذلك وفقاً للباحثَين المؤلفَين للدراسة وهم جون بيرت، الأستاذ المساعد في البيولوجيا لدى جامعة نيويورك أبوظبي، وفرانشيسكو باباريلا، الأستاذ المساعد في الرياضيات لدى جامعة نيويورك أبوظبي. ومع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري، من المتوقع نظرياً أن تظل الشعاب المرجانية في الخليج عرضة لخطورة الابيضاض في حال طال تأثير التغيرات المناخية رياح المحيط الهندي الموسمية، التي تمهّد لرياح الشمال في هذه المنطقة. تشحب الشعاب المرجانية أو تتحول إلى اللون الأبيض حين تُعكّرها الحرارة أو التلوث، مما يتسب في طردها لطحلب بحري يعيش داخل أنسجتها ويسمى ’زوزانتلا‘، والذي يعمل على تزويد الشعاب بلونها، كما يُعد مورداً غذائياً سهلاً بفضل عملية التركيب الضوئي التي تمد الشعاب بـ 90% من طاقتها مما يسمح لها بالنمو والتكاثر.
وقام كل من بيرت وباباريلا بجمع وتحليل البيانات من ثلاث مستعمرات مرجانية كبرى موجودة في مياه أبوظبي جنوب الخليج: جزيرة السعديات (بجوار موقع جامعة ’نيويورك أبوظبي‘)، ورأس غناضة، والضبعية. وتتمتع هذه المواقع الثلاثة بنفس العمق والبُعد عن الشاطئ، وتُعتبر من أكثر التجمعات المرجانية غزارة في القسم الجنوبي من الخليج العربي. وكان نموذجهم الرياضي، الذي يصف الطاقة التي تتدفق عبر عمود الماء، قادراً على إعادة إنتاج البيانات المرصودة وكشف النقاب عن أن الرياح الشمالية يمكن أن تحقق خلال أشهر الصيف أكثر من 300 واط لكل متر مربع من التبريد التبخيري – وهي طاقة تبريدية تنافس طاقة معظم أنظمة تكييف الهواء.
ويستمر تزايد تواتر وحدّة ظاهرة ابيضاض المرجان في العالم وفي الخليج العربي مع ارتفاع درجة حرارة مياه البحار عالمياً، الأمر الذي يعرض الشعاب المرجانية إلى درجات حرارة تتجاوز العتبة الحرارية التي اكتسبها المرجان خلال مراحل تطوره. كما شهد الخليج توجهاً عاماً لارتفاع درجات الحرارة منذ سبعينيات القرن الماضي، مع وصول حرارة بعض المناطق إلى ثلاثة أضعاف المعدل الوسطي العالمي.
أصبحت حوادث ابيضاض المرجان تظهر بتواتر متزايد في الخليج العربي خلال العقود الأخيرة، وكان صيف عام 2017 واحداً من المواسم الأكثر سوءاً التي تم تسجيلها".
وحالياً يقوم الباحثون بجامعة نيويورك أبوظبي وهيئة البيئة – أبوظبي بإجراء المجموعة الثالثة من مسوحات الحيد المرجاني في الميدان منذ تفشي ظاهرة الابيضاض في عام 2017.
تتمتع الشعاب المرجانية في هذه المنطقة بأهمية بيولوجية كبيرة للغاية، حيث أنها أكثر الأنظمة البيئية تنوعاً حيوياً ضمن هذه المنطقة الجافة المجدبة، عدا عن أنها تشكل مورداً اقتصادياً هاماً لسكان الساحل كونها تمثل بيئة حاضنة ومرعى لأنواع كثيرة من الأسماك ذات الأهمية التجارية. وتخضع العديد من الشعاب المرجانية شديدة الأهمية في أبوظبي للحراسة ضمن محميات بحرية أقامتها هيئة البيئة - أبوظبي.
ومن جانبه، قال فرانشيسكو: "يعتمد نجاح جهود الحفاظ على البيئة بشكل أساسي على فهم كيفية عمها. وتشكل الخبرة التي تقدمها جامعة نيويورك أبوظبي في مجال النمذجة الرياضية البيئية ركيزة هامة لتخطيط وإدارة وتقييم الإجراءات البيئية".
ويستكشف الباحثون في الوقت الحالي التأثير الهام الذي قد يحمله التبريد الناتج عن الرياح على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر وشمال غرب أستراليا وغيرها من المناطق.