نجح فريق من الباحثين في جامعة نيويورك أبوظبي في تطوير إطار عضوي تساهمي كاتيوني مبتكر يعمل بفعالية على اكتشاف حمض بيرفلورو الأوكتانويك وإزالته من مياه الشرب، وهو من الملوثات الضارة ذات التأثير الدائم. ويسهم هذا الاكتشاف البارز في معالجة التحدي العالمي لإزالة مواد السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل، المعروفة باسم "المواد الكيميائية الأبدية"، والتي فاقمت المخاوف البيئية والصحية بسبب تراكم هذه المواد في المياه، وارتباطها بالعديد من المخاطر الصحية الحادة مثل السرطان والأمراض المتعلقة بالنمو.
وتتميز المواد الداخلة في تركيب الإطار العضوي التساهمي، الذي طوره فريق طرابلسي البحثي في جامعة نيويورك أبوظبي، بقدرتها على اكتشاف مواد السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل وإزالتها من المياه بسرعة وفعالية بدرجات كثافة مناسبة للبيئة، مما يوفر حلاً واعداً يتخطى أساليب المعالجة التقليدية لإزالة هذه المواد الضارة من المياه. كما يمكن استخدام هذه المواد في أجهزة تنقية المياه المنزلية، مما يعزز أداء المواد التقليدية ويسمح بتطبيقها عملياً وعلى نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم.
ونشرت مجلة نيتشر كوميونيكيشنز نتائج هذا الاكتشاف ضمن دراسة بعنوان "استخدام إطار عضوي تساهمي كاتيوني للكشف عن الفلورسنت والامتزاز المشترك لحمض بيرفلوروكتانويك". واعتمد الباحثون منهجية سونوكيميائية بسيطة من أجل تطوير إطار عضوي تساهمي لتحسين التفاعلات الهيدروفوبيكية والإلكتروستاتيكية، إلى جانب توفر العديد من مواقع الامتزاز بهدف الوصول إلى أقصى قدر من التفاعلات مع جزيئات السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل. ويسمح ذلك للإطار العضوي التساهمي باكتشاف حمض بيرفلورو الأوكتانويك وإزالته خلال ثوانٍ معدودة، حتى ضمن درجات الكثافة المناسبة بيئياً. كما قام الباحثون بالتحقق من الآليات الكامنة وراء عملية الاكتشاف والإزالة السريعة باستخدام أنظمة المحاكاة الحاسوبية، مما منحهم رؤى معمقة حول التفاعلات عند المستوى الذري، والتي مثلت دليلاً قيماً لإجراء مزيدٍ من الأبحاث في هذا المجال.
وتم تطوير هذا الاكتشاف بقيادة الأستاذ علي طرابلسي، أستاذ الكيمياء والباحث الرئيسي المشارك في مركز أبحاث المياه بجامعة نيويورك أبوظبي، بالاشتراك مع فريق يضم أسماء جراد، زميلة أبحاث مرحلة ما بعد الدكتوراه؛ وجوبندا داس، الباحث المساعد. وتعليقاً على هذا الموضوع، قال طرابلسي: "يوفر هذا الاكتشاف الهام حلاً أسرع وأكثر فعالية من التقنيات الحالية، إذ يتميز بإمكانات تسهم بشكلٍ كبير في تطوير آلية تنقية المياه وتحسين جودتها في مختلف أنحاء العالم. ويأتي اكتشاف هذه التقنية الجديدة الضرورية في الوقت المناسب بالتزامن مع الانتشار الواسع للمواد الكيميائية الأبدية في البيئة من حولنا وفي أجسامنا، وخطورتها الكبيرة على صحة الإنسان".
وتقديراً لتأثير هذا البحث، نالت جراد جائزة مبتكرون دون 35 عام 2023 المقدمة من منصة MIT Technology Review، مما يسلط الضوء على أهمية هذا الابتكار الرائد. ويطمح الفريق أن يكون لهذا المشروع دورٌ في نشر الوعي حول مخاطر السلفونات المشبعة بالفلور ألكيل في دولة الإمارات والعالم، وتشجيع الجهود الرامية إلى تعزيز مراقبة هذه المواد الضارة والارتقاء بمعايير السلامة.