كشف فريق من الباحثين من مختبر الموائع الدقيقة والأجهزة المصغرة المتطورة في جامعة نيويورك أبوظبي عن تطوير نوع جديد من المسابير العاملة بتقنية مجاهر القوة الذرية، ويحمل الابتكار الحديث الذي تم تصميمه بشكلٍ ثلاثي الأبعاد اسم 3DTIPs. وتتيح تقنية مجهر القوة الذرية للباحثين مراقبة وقياس والتعامل مع العينات والأجسام الدقيقة والنانوية بدقة غير مسبوقة، ويمكن الاستفادة من مسابير 3DTIPs الجديدة، التي تصنع بالطباعة ثلاثية الأبعاد، في مجموعة كبيرة من التطبيقات وعمليات المراقبة والاكتشافات بكفاءة أكبر مقارنةً مع المسابير القياسية والقائمة على مواد السيليكون و أشباه الموصلات.
وتُستخدم تقنية مجهر القوة الذرية في تحديد خصائص العينات، من خلال مسبار متناهي الصغر يمسح الأسطح ويقدم دقة مذهلة أعلى بألف مرة مقارنةً بالمجاهر الضوئية. وتُعد هذه التقنية وسيلة محورية في مجالات عديدة، بما في ذلك العلوم الأساسية والطبية الحيوية، حيث تتنوع تطبيقاتها من دراسة البكتيريا الحية وخلايا الثدييات وتحليل جزيئات الحمض النووي ودراسة البروتينات بشكل فوري وتصوير الجزيئات الدقيقة وصولاً إلى الجسيمات دون الذرية.
ويمثل مسبار مجهر القوة الذرية صميم هذا الابتكار، إذ يتألف من ذراع ناتئ مع طرف مدبّب في نهايته، والذي بإمكانه استشعار أسطح العينات وتحسسها عن طريق الجذب والتنافر بالطريقة نفسها التي نستخدم بها رؤوس أصابعنا لكن بدقة تصل إلى المستوى الذري. ويجري عادة تصنيع هذه المسابير من السيليكون باستخدام العمليات نفسها المُستخدمة في تصنيع أشباه الموصلات التقليدية، والمعروفة في مجال الإلكترونيات الدقيقة، والتي تنحصر في إنتاج تصاميم ثنائية الأبعاد وتتطلب عملية إنتاج طويلة وعالية التكلفة. وتتسم المسابير السيليكونية الحالية بأنها صلبة وهشة ومتوفرة وفق أشكال محددة، ما يجعلها قليلة الكفاءة في فحص الأجسام الرخوة مثل خلايا الثدييات.
ونشرت مجلة أدفانسد ساينس ورقة بحثية بعنوان الجيل ثلاثي الأبعاد من مسابير مجاهر القوة الذرية متعددة الاستخدامات، حيث طرح الباحثون تقنيتهم الخاصة لإنتاج الجيل الجديد من مسابير القوة الذرية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد القائمة على البلمرة ثنائية الفوتون. وتتمتع مسابير 3DTIPs الجديدة بمرونة أكبر من نظيراتها القائمة على السيليكون، ما يجعلها أكثر ملائمةً لتطبيقات مجاهر القوة الذرية التي تتطلب تفاعلاً أكثر دقة مع الخلايا والبروتينات وجزيئات الحمض النووي. كما توفر الخصائص المادية لمسابير 3DTIPs القدرة على إجراء فحوصات أسرع بمئة مرة من فحوصات مسابير السيليكون العادية وفق الأبعاد ذاتها، وقد تتيح هذه المزايا القدرة على تصوير مقاطع فيديو تلتقط الأنشطة الحيوية للبروتينات والحمض النووي وحتى الجزيئات الأصغر حجماً بشكل فوري.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال الدكتور محمد قسايمة، الباحث الرئيسي في المشروع والأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية والبيولوجية الطبية في جامعة نيويورك أبوظبي: "نجحنا في تطوير تقنية مبتكرة لإنتاج الجيل الجديد من المسابير العاملة بتقنية مجاهر القوة الذرية باستخدام مواد جديدة وتصاميم محسّنة وأشكال مبتكرة ثلاثية الأبعاد. تمكن هذه التقنية الجديدة تطوير النماذج الأولية بسرعة، مما يضمن دورة إنتاج سلسة لمسابير مجاهر القوة الذرية التي ترتكز على التطبيقات والوظائف المطلوبة.. ويتيح لنا إنتاج مسابر متخصصة من هذا النوع، بتصاميم مبتكرة ثلاثية الأبعاد، آفاقاً بحثية غير محدودة في مختلف التخصصات".
من جانبه قال الدكتور أيوب كلية، المؤلف الأول للدراسة والباحث المساعد في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر الموائع الدقيقة والأجهزة المصغرة المتطورة: "يمكن لمسابير 3DTIPs إنتاج صور بتقنية مجاهر القوة الذرية عالية الدقة بسرعة كبيرة، باستخدام نماذج مجاهر القوة الذرية الشائعة وفي البيئات الهوائية والسائلة. ويساعد تحسين الطرف المدبب لمسابير 3DTIPs من خلال الحفر بالشعاع الأيوني المركّز واستخدام الأنابيب النانوية الكربونية على تعزيز قدراتها بشكل كبير، لالتقاط الصور بتقنية مجاهر القوة الذرية عالية الدقة والتي تصل حتى قياسات الانجستروم".
ويأمل الفريق أن تساهم القدرات متعددة الوظائف لمسابير 3DTIPs في دعم استخدام المسابير العاملة بتقنية مجاهر القوة الذرية في التطبيقات الروتينية والمتقدمة بهذا المجال، فضلاً عن توسيع نطاق مجالات التصوير عالي السرعة بهذه التقنية ومقاييس القوة البيولوجية.
وتولى الدعم المالي للدراسة كلّ من جامعة نيويورك أبوظبي وصندوق دعم الأبحاث التابع لها ، إلى جانب برنامج الجري الدولي التابع لمؤسسة تيري فوكس في فانكوفر بكندا.