يعتبر مرض السرطان أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الوفاة على المستوى العالمي، إلا أن معدلات الشفاء قد ترتفع إذا تم تشخيص المرض في مراحله المبكرة، أي قبل مرحلة نمو وانتشار الورم الخبيث. وخلال هذه المرحلة، ينمو ورم ثانوي في مكان آخر عن طريق الخلايا السرطانية المتنقلة والتي تنشأ وتنفصل عن الورم الرئيسي وتسلك مجرى الدم مسببةً انتشار المرض.
وقام فريق من الباحثين في قسم الهندسة بجامعة نيويورك أبوظبي، تحت إشراف الدكتور محمد قسايمة الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية والبيولوجية الطبية، بتطوير منصة ذات نظام موائع جزيئي متوافقة مع الإجراءات المتطورة لمجهر القوة الذرية (AFM). تقوم المنصة بالتقاط الخلايا السرطانية المتنقلة في عينات دم المرضى المصابين بسرطان البروستاتا، وفحص خصائصها الميكانيكية باستخدام المجهر الذري على المستوى النانومتري، بحثًا عن مؤشرات بيولوجية ميكانيكية جديدة لهذه الخلايا.
ورغم المعرفة المحدودة حول دورة الحياة العامة للخلايا السرطانية المتنقلة، إلا أنه لا يزال عمر وتفاعلات هذه الخلايا أثناء انتشارها في مجرى الدم أمراً مجهولاً لشدة ندرتها وصعوبة عزلها من بين مليارات الخلايا السليمة الأخرى، ولذلك يتطلب الأمر تطوير أجهزة عالية الدقة لاستكشاف ودراسة أنماطها البيولوجية والميكانيكية.
وتسمح التكنولوجيا الجديدة المطوّرة بعزل وتوصيف الخلايا السرطانية المتنقلة وبالتالي تساعد في عملية الكشف المبكر عن مرض السرطان. كما يمكن أيضاً استخدامها في المستقبل كأداة تتبّع ورصد مدى انتشار الورم وتطوره بشكل أكثر كفاءة.
وقدّم الباحثون في الورقة البحثية التي تحمل عنوان "نظام الموائع الجزيئية المتوافقة مع مجهر القوة الذرية بغرض تحديد وعزل الخلايا السرطانية المنتشرة وتوصيف خصائصها الميكانيكية النانوية"، والتي نشرت في مجلة "نيتشر مايكروسيستمز أند نانوإنجينيرنغ" العلمية، تقنية نظام الموائع الجزيئية المطورة بهدف فصل الخلايا السرطانية المنتشرة في عينات الدم لإجراء المزيد من التحاليل. ويتميز النظام بإمكانية عزل الخلايا السرطانية المتنقلة عن خلايا الدم الأخرى عن طريق رصد الاختلافات في تقاربها مع الأجسام المضادة أحادية النسيلة المتنوعة. وتجمع الأداة المطورة منصة نظام موائع جزيئي ومجهر القوة الذرية، الذي يتيح تحليلات دقيقة للتحقيق في خواص المرونة والالتصاق للخلايا السرطانية المنتشرة التي تم رصدها وعزلها.
وتشكل الخلايا السرطانية المنتشرة علامة بيولوجية هامة في الكشف عن السرطان وتشخيصه وتحديد فرص الإصابة. وباستخدام الخصائص المكتشفة لهذه الخلايا، يمكن عزلها عن طريق إجراء خزعة سائلة، وهو إجراء أقل خطورة من الخزع التقليدية لنسيج الورم. وبالإمكان أيضاً استخدام الخلايا السرطانية المعزولة في اختبارات العقاقير والتوصيف الجزيئي لعلاجات السرطان الدقيقة. والجدير بالذكر أنه من المتوقع للخزع السائلة أن تحل مكان خزعات الأنسجة التقليدية في المستقبل القريب نظراً لسهولة إجرائها، حيث يمكن مستقبلاً اجرائها في العيادات الطبية والصيدليات.
ومن جهته، قال الدكتور محمدين ديليورمان المؤلف الأول للدراسة وعالم الأبحاث في جامعة نيويورك أبوظبي: "يمكن إجراء تعديلات طفيفة في المنصة المطورة لاستخدامها في رصد وتحديد أنواع أخرى من السرطانات بما في ذلك سرطان الثدي والرئة".
وباستخدام الأداة المطورة، يأمل الباحثون أن يساعد اكتشاف الخصائص النانوميكانيكية للخلايا السرطانية المنتشرة في تحديد أنماط الخلايا السرطانية الشرسة المتنقلة وذلك من أجل تطوير علاجات أكثر فاعلية.