طوّر باحثو قسم الهندسة في جامعة نيويورك أبوظبي تقنيةً جديدةً تعتمد على تطوير ورق الترشيح لحفظ الخلايا البشرية بالتجميد، ما يوفّر للعلماء والقطاع الصناعي إمكانية استبدال الوسائل التقليدية المتبعة في الحفظ طويل الأمد للخلايا البشرية عن طريق التجميد بطريقة أكثر فعالية وكفاءة.
وتشابه نتائج التقنية الجديدة نتائج الوسائل التقليدية، ولكن تتطلب مساحة تخزين أقل بكثير وتوفّر مزايا هائلة مقارنة بتخزين وإدارة وتوزيع قوارير الخلايا المحفوظة تقليدياً بالتجميد. وتقدّم هذه النتائج فرص واعدة لبنوك الخلايا الصناعية وللباحثين في هندسة الأنسجة، واختبارات الأدوية التجريبية، وغيرها من المجالات التي تعتمد على الحفظ الناجح وطويل الأمد للخلايا. كما يمكن استخدام التقنية الجديدة في مجال البنوك الحيوية، التي تتضمن مستودعات لتخزين العينات البيولوجية لأغراض بحثية.
ويعتمد أسلوب الحفظ التقليدي على وضع الخلايا في قوارير صغيرة، حيث يتم "تجميد" أنشطتها الأيضية في درجات حرارة منخفضة للغاية (80 درجة مئوية تحت الصفر أو أقل، عادة 196 درجة مئوية تحت الصفر للحفظ طويل الأمد). وبالرغم من فعاليتها في استرجاع الخلايا، تتطلب هذه الأساليب مساحات واسعة لتخزين عدد كبير من القوارير، ما يجعل من إدارة وتوزيع الخلايا مهمةً صعبةً ومكلفةً وتستهلك الكثير من الوقت.
وجرى نشر الدراسة في مجلة "أدفانسد بيوسيستمز" تحت اسم "حفظ الخلايا بالتجميد باستخدام الورق"، حيث يوضح من خلالها الدكتور محمد قسايمة الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية والبيولوجية الطبية بجامعة نيويورك أبوظبي، وزملائه في الدراسة، كيفية تطوير واستخدام ورق الترشيح التقليدي المصنوع من ألياف السيللوز كبديل بسيط وفاعل لتخزين وتبريد الخلايا بطريقة أكثر كفاءة. وتتيح هذه التقنية توفير مساحةً أكبر وسهولة في إدارة التخزين، حيث يمكن لف الأوراق الكبيرة أو طيّها أثناء تخزينها، ثم تقطيعها لاحقاً إلى أجزاء صغيرة خلال عملية استرجاع الخلايا دون الحاجة إلى إذابة العينة بأكملها. وتعليقاً على ذلك، قال الدكتور محمد قسايمة الباحث الرئيسي والمؤلّف المشرف على الدراسة: "تعمل المنصّة الورقي كحامل وواقِ ثلاثي الأبعاد للخلايا أثناء حفظها بالتجميد، ولذلك فهي تسهل عملية التخزين والإدارة وإمداد بنوك الخلايا بشكل كبير".
وأشار الباحثون إلى أن مساميّة الورق وشبكة ألياف السيللوز ثلاثية الأبعاد تعمل على توفير بيئة حماية فائقة للخلايا، ما يسهم في تعزيز قابليتها للحياة وحفظ محتواها أثناء فترة التجميد. وكنتيجة لذلك، تتمتع الخلايا المذابة عند تحريرها من الورق عقب التجميد بكفاءة، وتحظى بمعدلات قابلية للحياة مماثلة لنظيرتها في الوسائل التقليدية. كما تدعم الأوراق المستخدمة طريقة الحفظ بالتجميد لمزارع الخلايا ثلاثية الأبعاد، وتوفّر بعد إذابة الجليد بيئةً مرنةً للخلايا المتبقية داخل الورقة للنمو وتشكيل أنسجة ثلاثية الأبعاد ذات تصميمات مختلفة.
ومن جهتها، قالت رؤى النمري الباحثة المساعدة السابقة في مختبر قسايمة: "على عكس استراتيجيات الحفظ بالتجميد القائمة على السقالات مثل شبكات الألياف وصُحف الألياف النانوية التي تتطلب هندسة الركائز بشكل متكرر لاستخدامها في عملية حفظ الخلايا بالتجميد، ترتكز التقنية المعتمدة في الدراسة على الأوراق السيللوزية البسيطة، حيث يتم حفظ الخلايا دون التأثير على قابليتها للحياة ونشاطها الأيضي".
وبدورها، قالت بافيثرا سوكومار الباحثة المساعدة في جامعة نيويورك أبوظبي: "بالإضافة إلى مزاياها العملية، تتيح هذه التقنية إمكانية إجراء تحقيقات في الأنسجة المتشكّلة بأبعاد متعددة وعلى فترات زمنية، وتفتح الباب أمام تجارب بيولوجية عالية الإنتاجية ومنخفضة التكلفة". وفي تعليقه على الدراسة، قال محمدين ديليورمان عالم الأبحاث في جامعة نيويورك أبوظبي: "يمكننا هندسة الأنسجة على مواقع دقيقة ضمن الورقة لتوسيع نطاق تطبيق التقنية، مثل تكديس الأوراق فوق بعضها البعض لمحاكاة أشكال مختلفة من كتل الورم ثلاثية الأبعاد في الجسم الحي".