قام فريق من الباحثين في جامعة نيويورك أبوظبي وجامعة نيويورك، بقيادة كلود ديسبلان، الحاصل على لقب "البروفيسور الفضي" في علم الأحياء وعلم الأعصاب بجامعة نيويورك والأستاذ المشارك في مركز علوم الجينوم والأنظمة الحيوية بجامعة نيويورك أبوظبي، بابتكار "أطلس مراحل النمو" يختص بالتعبير الجيني في الخلايا العصبية، من خلال الاعتماد على التسلسل الجيني والتعلم الآلي، وذلك لتصنيف أكثر من 250 ألف خلية عصبية في أدمغة ذباب الفاكهة.
وتشير الدراسة، التي نُشرت في "Nature"، الدورية العالمية الرائدة في مجالات العلوم متعددة التخصصات، أن الخلايا العصبية تظهر معظم التنوع الجزيئي أثناء مرحلة النمو، وتكشف عن نوع غير معروف سابقاً من الخلايا العصبية التي تتواجد فقط قبل أن يفقس الذباب.
وتعليقاً على هذا الاكتشاف، قال ديسبلان، كبير مؤلفي الدراسة: " بالرغم من أن معظم الجهود لتحديد تنوع دماغ الإنسان أو الفأر تركز على الخلايا العصبية البالغة، إلا أن عملنا يظهر بأن تنوع الخلايا المختلفة التي تتكون منها أدمغتنا يمكن فهمها بالكامل فقط عند معرفة تاريخ مراحل نموها."
وتتكون الأدمغة من آلاف الأنواع المختلفة من الخلايا العصبية. وعلى الرغم من تشابه المعلومات الجينية، إلا أن الخلايا العصبية تحقق هذا التنوع من خلال تشغيل مجموعات مختلفة من الجينات في كل نوع من الخلايا العصبية وفي كل مرحلة من مراحل نموها.
ومن أجل فهم تنوع خلايا الدماغ، درس الباحثون ذباب الفاكهة لفترة طويلة، والتي يمكن استخدام أدمغتها لتكون نموذجاً علمياً، على الرغم من أنها أبسط بكثير من عقول البشر. وحدد الباحثون سابقاً ما يقرب من 60 ألف خلية و 200 نوع من الخلايا العصبية التي تشكل الفصوص البصرية لذباب الفاكهة، وهي مناطق في الدماغ تعالج المعلومات المرئية، بما في ذلك رؤية الألوان واكتشاف الأشياء والحركة.
وابتكر الباحثون "أطلسهم" من خلال الاستفادة من أحد أشكال التقنية التي تم اختراعها مؤخراً والمعروفة باسم تسلسل "mRNA" أحادي الخلية، والتي سمحت لهم بالتقاط وتسلسل "mRNA" من أكثر من 250 ألف خلية مفردة. ومن خلال استخدام مجموعة من مناهج التعلم الآلي، قاموا بتعيين كل خلية من هذه الخلايا إلى نوع خلية معين خلال عملية التطوير.
وخلال تطوير "أطلس مراحل النمو"، توصل الباحثون إلى عدة اكتشافات، أولاً، وجدوا نوعاً جديداً تماماً من الخلايا العصبية في ذباب الفاكهة، والذي يوجد فقط على سطح الفص البصري أثناء النمو، ولكن يتم إزالته من خلال موت الخلية المبرمج قبل أن يفقس الذباب مباشرة.
من جانبه، قال فيليكس سيمون، طالب الدكتوراه في علم الأحياء بجامعة نيويورك والمؤلف الرئيسي الآخر للدراسة: "في الوقت الذي ما زلنا لا ندرك وظائف هذه الخلايا العصبية التي لم تكن معروفة من قبل، فإن الخلايا العصبية ذات الخصائص المتشابهة جدًا - والتي تسمى خلايا "Cajal-Retzius" - موجودة أيضاً في أدمغة الثدييات، وهي ضرورية لنمو الدماغ السليم".
وعلاوة على ذلك، وجد الباحثون أن الخلايا العصبية تظهر أعلى مستويات التنوع الجزيئي أثناء مرحلة النمو مقارنة بالخلايا العصبية البالغة، مما يسمح للخلايا أثناء مرحلة النمو بتكوين روابط مع خلايا شريكة محددة - وتجنب الخلايا الخاطئة. ونتيجة لذلك، يمكن أن تكتسب الخلايا العصبية ميزات ووظائف مختلفة فقط بسبب تاريخ مراحل نموها، على الرغم من أن خصائصها الفسيولوجية في أدمغة البالغين قد تكون متطابقة.
وأضاف أوزيل: "إن هذا له آثار كبيرة على دراسات اضطرابات النمو العصبي، حيث أن الاضطرابات في وظيفة الدائرة العصبية يمكن أن تحدث بالكامل بسبب عيوب في بعض البرامج الجينية التي تكون نشطة بشكل عابر فقط أثناء مرحلة النمو وسيكون من المستحيل فهمها بمجرد النظر إلى النتيجة النهائية".
ختاماً، كشفت الدراسة أن الخلايا العصبية التي تبدو متطابقة في الشكل يمكنها التعبير عن مجموعات مختلفة من الجينات في الجزء العلوي مقابل الجزء السفلي من الدماغ. ويمكن أن تمنح هذه الاختلافات الذباب القدرة على إجراء حسابات مختلفة عند تلقي المعلومات المرئية، وعلى سبيل المثال، السماء مقابل الأرض.